الصفحات

المكتب الاقليمي للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي .

الأعضــاء

يتم التشغيل بواسطة Blogger.


الصورة السلبية للمدرسة لا تضرم العطش المعرفي

محمد بنعزيز 
الثلاثاء 11 شتنبر 2012 - 13:54

نادرا ما يغادر موضوع التعليم الصفحات الأولى للجرائد المغربية، إذ بعد توصيف ولعن أشكال الغش في الباكلوريا ظهرت النتائج. فاتضح أن هناك غشا آخر لا يمس سلوك التلاميذ، بل هو غش مؤسسي يمس مساطر التنقيط. فمن من خلال مقارنة بيانات النقط بين تلاميذ التعليم العمومي والتعليم الخصوصي، ظهر خلل ترتب عنه عدم تساوي فرص النجاح.

وقد خلصت المقارنة إلى أنه توجد فروق كبيرة بين نقط الفصل الدراسي ونقط الامتحان لدى تلاميذ الخصوصي. لنلق نظرة على بيانات نقط تلميذ مغربي درس في مؤسسة ثانوية خصوصية وحصل على الباكلوريا في يونيو 2012: في الامتحان الوطني حصل على 8 من 20 في الرياضيات، 10 في الفيزياء، 5في العلوم الطبيعية. 8 في الفلسفة و2 في اللغة الأنجليزية. بينما في المراقبة المستمرة، أي نقط الفصل الدراسي، كانت النقط في نفس المواد على التوالي هي: 18-18-16-15-16.

تواترت مثل هذه النتائج، وأقر الملاحظون بارتفاع معدلات المراقبة المستمرة بالفصل بالمدارس الخصوصية مقابل تدنيها في نفس المواد بالامتحان الوطني للباكلرويا. كان الفارق كبيرا جدا. في المثال السابق يتضح أن نقطة المراقبة المستمرة في اللغة الأنجليزية تُضاعف ثمان مرات نقطة الامتحان الوطني. لو حصل هذا مع تلميذ أو تلميذين لكان مقبولا. أما أن نجد عشرات الحالات فهذا يثير تساؤلات.

حصل هذا نتيجة حسن نية المشرّع التربوي. فقد قرر احتساب نقط المراقبة المستمرة في معدل النجاح في الباكلوريا، بنسبة 25 في المائة من المعدل، كان ذلك بهدف إشراك الأستاذ في النتيجة العامة. وكان الهدف أيضا مكافأة التلاميذ الذين يواظبون على الإعداد القبلي للدروس والتمارين. لكن في الحالة التي أمامنا، فإن نسبة المراقبة المستمرة من معدل النجاح تبلغ 75 في المائة. أي أن هذا التلميذ تم تنجيحه مسبقا بفضل المراقبة المستمرة.

ومن هنا ارتفعت الاتهامات بأن المدارس الخصوصية تحسن بطريقة ملتوية فرص نجاح التلاميذ الذين يدرسون بها، وبالتالي تحسّن صورتها في المشهد التكويني بتضخيم نقط التلاميذ للمنتسبين لها، لأنهم يدفعون النقود. الزبون ملك لابد من الاستجابة لطلباته. الأمر لا يعود للامتحان الوطني إذن، بل لسلطة المال. رغم أن الذكاء لا يباع. 

في خضم هذا الجدل خصص الملك محمد السادس جزءا كبيرا من خطابه يوم 20 غشت 2012 للمدرسة. وقد دعا لتأهيل التعليم الخاص واتهم المدرسة المغربية بأنها لا تعتمد المنطق السليم، لا تصقل الحس النقدي ولا تفعل الذكاء بل يقتصر عملها على شحن الذاكرة ومراكمة المعارف بالتلقين.

رحبت الصحافة بهذا الوصيف، واستدلت على صدقيته بالمشهد اليومي في المدن المغربية:

آلاف من خريجي الجامعات العاطلين يحتجون، ليس لأنه لا يوجد عمل - فالصينيون يجدون عملا في المغرب - بل لأن تكوينهم لا يلائم مناصب الشغل الموجودة. لقد لقنتهم المدرسة ليصيروا موظفين. لكن لسوق الشغل مطالب أخرى، وهم بدل أن يتغيروا ليلائموا سوق الشغل يريدون من السوق أن يشبههم. وهم يحتجون ويريدون أن يعملوا في مكاتب وليس في حقول أو ورشات. وهذه أماكن يتقرر فيها شكل المستقبل.

يمر الناس على أولئك المحتجين ويلعنون المدرسة التي لم تمهد لهم مستقبلا أفضل. لا يقتصر الأمر على اللعنة، بل يتعداها إلى أحكام سلبية ونكت ساخرة بشكل فظيع عن المدرسين.

لذا يشعر هؤلاء بالإضطهاد، كما يتضح حين أعلن وزير التعليم عن افتتاح خط أخضر مباشر للمواطنين لإخبار الوزارة عن تغيبات هيئة التدريس... وقد زعموا أن ذلك سيكون فرصة للوشاية وإذكاء للعداء المستتر ضد نساء ورجال التعليم.

يعتبر العاملون بالتعليم كل نقد ومساءلة إهانة. وهم يدافعون عن أنفسهم بتبرئة المدرسة وتحميل المسئولية للبيئة الاجتماعية المحيطة بسور المؤسسة التعليمية. في مباراة الولوج لمركز تكوين مفتشي التعليم (المراقبين التربوين) بداية يوليوز 2012، كان السؤال هو:

"يعد الفضول المعرفي محركا لتعلم التلميذ، حيث يشجعه على طرح الأسئلة التي تشكل محاولة الإجابة عليها انخراطا في بناء المعرفة والذات معا. لكن هل تسمح ثقافتنا السائدة في أن يكون للمتعلم فضول معرفي وهي تنظر إلى الرغبة في المعرفة بكونها مزعجة وخطرة؟"

واضح أن السؤال يحدد المتهم. إنه ثقافة تعتبر الفضول قلة أدب، ثقافة تشبه الفضولي بما يدخل بين اللحم والظفر (الأوساخ). لكن لا تعلم دون فضول، دون رغبة، وقديما سخر مربي يوناني ممن لا فضول له بقوله "لا يمكن أن تسقي حمارا لا يشعر بالعطش".

يولد الفضول ضرورة العطش المعرفي، يندهش الطفل أمام الوردة فيفككها، يفترض به أن يفعل ذلك بالكثير من الظواهر. وهكذا يولد الفضول الأسئلة، والسؤال في الثقافة السائدة وقاحة. لذا يعاقب الطفل الذي يعري قلب الوردة. وبذلك تقمع الدهشة والسؤال. وهذه ظاهرة عامة، ففي الندوات الصحفية – إذا عقدوها - يتجنب حكامنا الأسئلة المباشرة والعلنية.

في تلفزيوناتنا تكثر البرامج المسجلة وتقل البرامج الحية العفوية. إذن، الفضول قلة أدب والشك سوء نية وطرح الاسئلة وقاحة ومراجعة الجاهز والشك المنهجي وعدم التسليم بالأجوبة الجاهزة جحود وتنكر للأجداد والتفلسف يقود للجنون...

فلماذا تلام المدرسة التي يقضي فيها الطفل بضع ساعات يوميا؟

هنا انضم للمدافعين عن المدرسة، وقد شاركت في مباراة المفتشين، وقد سجلت ما سبق في ورقة تحرير الاختبار.

وأضفت، أن الثقافة السائدة تعتبر التفكير نوعا من الهم، وتمنع الجدات الأطفال من الجلوس ووضع أيديهم تحت خدودهم لأن ذلك يجلب النحس. وهذه هي الصورة النمطية التي تلتقط للمفكرين. ورويت جوابي عن السؤال أن زملائي، أيام الدراسة كانوا يلقبونني "فيلسوف ضائع"، وتوقعت لي الفتاة التي أحببتها أن أجن قريبا. وقد تعاقد معي أستاذ التربية الإسلامية في الثانوية ألا أحضر دروسه مقابل ألا يسجلني غائبا. حين التقيته بعد خمسة عشر سنة شرح لي أني كنت أشوش على التلاميذ.

كتبت أيضا أيضا أني الآن كمدرس أقول للتلامذتي أن العثور على الأسئلة الصحيحة أصعب من العثور على الأجوبة. وأن طرح أسئلة متعددة يساعد على تكوين تفكير تركيبي. وأنه دون أسئلة سيكون الإنسان ذا بعد واحد... وسيشبه وحيد القرن.

لكن ما جدوى هذا التحريض على التساؤل، بينما يغادر التلميذ أسوار المؤسسة التعليمية فيجد بيئة تروج لصورة سلبية حول المدرسة، بيئة تسودها أوهام نصبت كبديهيات. منها أنه لابد من إغلاق الجامعة لأنها سبب البطالة، ومنها أن الآباء الذين يرحلون أبناهم للتعليم الخصوصي فقط في العام الأخير من الثانوي لا يجذبهم إلا تضخيم النقط، ومنها نكت عن المدرسين الأغبياء، ولا واحد منهم ذكي. وهذه نظرة تحقيرية شائعة. من يرفع شعار "من جد وجد" ينظر له كأبله راسخ. ومنها أن المدرسة مكان يختفي فيه الأطفال لكي تتفرغ الأم لواجباتها المنزلية... وفي النهاية ينظر للطفل الذي لفظته المدرسة مبكرا كشخص محظوظ لأنه قد يتعلم حرفة (حسب دراسة رسمية تلفظ المدرسة المغربية 400000 طفل سنويا).

في الإعلام، يجري حفل حين يعلن أن معلم تحرش بتلميذة، ولتبريد المشكل يردد أن "المغرب بلاد العجائب"، أي أنه استثناء غير عقلاني مقارنة مع باقي الدول، ويشاع أنه "مادمت في المغرب فلا تستغرب". أي سلّم وأنت متحرر من قاعدة عقلية علمية... وقد عمقت الكثير من الجرائد الشعبوية هذه المقدمات الرائجة، حولت كوننا استثناء لبديهية، جرائد تنتقد ولا تقترح كي لا تنفر الدوكسا الذي يقرأها. يتربى الطفل في هذا الجو، يفهم أن الحرية هي أن يفعل ما يريد وهو يجهل أن الحرية هي وعي الضرورة. ولا من يبين له أن الحرية هي أن تفعل ما يجب وليس ما تريد.

بسبب هذا يتكون لدى الطفل نمط تفكير سطحي بسيط يتبنى الآراء الشائعة وبادئ الرأي الذي لا يصمد أمام التحليل والتجربة (وهذا معنى الدوكسا doxa ). فهل إذا أغلقت الجامعة سيحصل الجميع على عمل؟

لا، لكن الناس صاروا يشفقون على كل من يلتحق بالجامعة. لأن وجهة النظر التحقيرية تسربت وترسخت في المخيال الشعبي ويتبناها الأطفال ويعيدون إنتاجها. وهكذا تجر البيئة المدرسة بدل أن يحصل العكس.

للفضوليين الذين يسألون عن النتيجة أخبرهم أني أستعد لاجتياز المباراة مرة ثانية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

صفحتي على الفايس بوك

ما تقييمك للموقع؟

فضائح نائب التعليم بتاونات

تطالب برحيل النائب الإقليمي UMT

إحتجاجات غير مسبوقة بتاونات

عدد الصفحات التي تمت زيارتها