الصفحات

المكتب الاقليمي للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي .

الأعضــاء

يتم التشغيل بواسطة Blogger.


محمد سبيلا ونقد "التحالف المقدس" بين المال والتقنية

عرض: منتصر حمادة
الأحد 23 شتنبر 2012 - 16:30 

ضيف هذا العرض، المفكر المغربي محمد سبيلا، من خلال مؤلفه الممتع الذي يحمل عنوان: "زمن العولمة.. فيما وراء الوهم"، والصادر عن دار النشر توبقال (الدار البيضاء). ويُعرف عن سبيلا، كونه أحد المفكرين العرب الذين اشغلوا كثيرا على إشكالية الحداثة والتحديث، من سلسلة من الكتب والمقالات والترجمات التي ساهمت بالتأكيد في إغناء النقاش في المجال التداولي الإسلامي العربي حول هذه المفاهيم وغيرها طبعا، كما نقرأ في عناوين بعض مؤلفاته: مدارات الحداثة، الإيديولوجيا: نحو نظرة تكاملية، الفلسفة الحديثة من خلال النصوص، المغرب في مواجهة الحداثـة، الحداثة وما بعد الحداثة.

من ضمن المفاهيم التي اشتغل عليها المؤلف أيضا، موضوع العولمة، كما هو جلّي في كتابه "زمن العولمة"، وافتتحه بالتوقف عند العديد من الأسئلة الدقيقة، منها سؤال "العلم والفكر"، نقلا طبعا عن قول مأثور للفيلسوف الألماني مارتن هايدغر، من أن "العلم لا يفكر" (ظهرت الفكرة لأول مرة لدى هايدغر في محاضرة ألقاها في جامعة فريبورغ سنة 1952 ثم تواترت في العديد من كتاباته)، حيث يُلاحظ سبيلا في هذا الصدد أن العلم يضمر بعدا فلسفيا لا يعيه. وربما كان العلم في حد ذاته هو المثال النموذجي لتصور فلسفي معين للعالم قوامه تصور مواضعاتي يعتمد تدخل الإنسان في الطبيعة بهدف تسخير مواردها وتدجين ظواهرها، والتحكم في مساراتها وتعريتها بالكشف عن العلاقات الكمية القابلة للقياس والحساب والتكميم.

إن العلم بطبيعة نوع تفكيره لا يمكن أن يعي مضمراته الفلسفية كما لا يمكنه أن يتحكم في مستثمراته الإيديولوجية، يضيف المؤلف، وهو ـ العلم ـ بهذا المعنى لا يفكر، أي لا يعي مصادراته الفلسفية، وصورة العالم الكامنة فيه، ونموذج إرادة القوة المتحكمة فيه، ولا يعي القوى الدافعة المحركة له ولا القيم الأخلاقية والاجتماعية والسلطوية المضمرة فيه، كما أنه اليوم هو نموذج الحقيقة ومصدر المشروعية السياسية العصرية على الأقل، لأن السياسة الحديثة تستلهم العالم كنموذج للثقافة السياسية ذاتها.

على صعيد آخر، إذا كان العلم لا يفكر (التفكير الفلسفي تحديدا)، فإنه أيضا لا يفكر تفكيرا أخلاقيا، مادامت المقاصد الروحية والغايات الأخلاقية المضادة لا تدخل في صلب مشاغل العالم واهتماماته، وذلك ابتداء من منطلقاته المنهجية ذاتها، ومن فضله منذ البداية بين حكم الواقع وحكم القيمة، وبين القبليات والبعديات، وبحكم استبعاده لأي منظور غائي، يبقى العلم في عمقه بحثيا وكشفيا، ووصفيا وتشريحيا، أما القيم الإيديولوجية (الواردة من مجال الحاجيات الاجتماعية)، والقيم الميتافيزيقية (المتولدة عن الحاجات الميتافيزيقية للإنسان عامة)، فإنها مجالات قِيَم ومعنى لا تدخل في صلب اهتمامات العالم بمعناه الحديث.

استشراء العنف والوحشية

تأسيسا على تغييب التفكير الأخلاقي لدى العلم والعلماء، يَخلُص المؤلف إلى أن ثقافة هذا العصر، الثقافة الجماهيرية السمعية البصرية الخاضعة لتوجيه المركبات الصناعية والعسكرية والتجارية الكبرى في العالم، لم تساهم وحسب في إضفاء الطابع الدرامي على صورة العالم اليومية، بل جعلت الدراما والمأساة والدم والدموع والآلام والعنف عامة مشهدا عاديا وطبيعيا ومألوفا، حيث أصبح الخير والسعادة والسلم هي الاستثناء، مضيفا أن إخضاع المشاعر الإنسانية (النبيلة منها والوضيعة) للدائرة الميركانتيلية، دائرة الكسب والربح، يقتضي ويمر عبر إضفاء الطابع الدرامي عليها ابتداء من مسلسلات التلفزيون وأفلامه إلى نشرات الأخبار إلى الجرائد والمجلات المتداولة. كل هذا المركب الإعلامي الصناعي السياسي يتضافر ليصوغ صورة دراماتيكية عن العالم. (هذا ما كنا نعاينه سلفا في الإعلام الغربي، وأصبحنا في المجال التداولي العربي نموذجا، نعاينه بشكل جلي في أغلب الفضائيات العربية وحتى الإسلامية).


والمريب والمؤسف في آن، أن نجد لهذه الصورة سندها ومرتكزها من جهة بضاعة إعلامية ثمينة، لكنه من جهة ثانية انعكاس لوضع بشري جديد أصبح فيه العنف إعلاميا وعموميا في الوقت نفسه؛ فالذي حصل حسب سبيلا، أن التوازن التقليدي بين النوازع العدوانية في النفس البشرية، التي تزكيها أو تشعلها أو تلهب أوارها مكاسب اقتصادية أو سيطرة سياسية أو استتباع إيديولوجي، وبين الكوابح الحضارية ضد استشراء العنف والوحشية التي تختزلها القيم الدينية والمنظومات الأخلاقية، قد اختل نهائيا لصالح الغرائز والدوافع البهيمية، تزامنا مع خسوف قوة المنظومات الفكرية التقليدية أو تضاؤل تأثيرها تحت تأثير ثقافة أخرى هي ثقافة النجاعة والمردودية والفعالية المرتبطة بالتقدم التقني، حيث زادت التقنية من قوة الإنسان فردا وجماعة ونوعا، وتناغم هذا التزايد مع انشحاذ القوة البهيمية بارتفاع المحظورات وانبساط القيم واستوائها.

يمكن تلخيص نقد محمد سبيلا للتقنية والرأسمال كما يلي: تحويل كل شيء إلى أداة نافعة وقابلة للاستعمال، أي أنها تنتشر وتشرع لعلاقة نفعية واستعمالية مع كل الأشياء، بما في ذلك البشر كشيء متميز بين الأشياء. أما رأس المال، فهو القوة أو العلاقة التي تحول كل شيء إلى بضاعة قابلة للتبادل، وبذلك يخلق نمط آخر لعلاقة الإنسان بالعالم وهي العلاقة التبادلية أو السلعية المُعَمّمة، وعندما ينعدم هذان الفاعلان الكونيان- بعد فترة تشويش استمرت زهاء السبعين سنة من القرن الماضي- فإن الكرة الأرضية تصبح مسرحا لألعاب القوى بالمعنى الحرفي للكلمة، أي ألعاب الموت والدمار، وذلك في انتظار دليل عكسي على ذلك.

فواعل حركة العولمة

يُلخّص سبيلا أهم الفواعل الأساسية لحركة العولمة في الظاهر في الإنسان، وبالتحديد الإنسان الغربي (الأوروبي- الأمريكي) المتفوق تكنولوجيا، كما أن المتأمل في حركية التاريخ المعاصر يتبدى له أن الإنسان ذاته منجز في هذه الحركة. فالتقنية تستقل تدريجيا عن الإنسان، خاضعة لمنطقها الداخلي الذي هو تلاحق الاكتشافات وتراكم القوى، كما أن إرادة القوة التي تحكم ماهية التقنية تتحول هي ذاتها مرتدة على ذاتها متخذة ذاتها غاية لذاتها وفق ما سماه هايدجر "إرادة الإرادة"، أي تداعي القوة وانزلاقها القسري نحو اكتساب ومراكمة المزيد من القوة، ولذلك يبدو أحيانا أن الإنسانية ذاتها هي أشبه ما تكون بريشة في مهب رياح التقنية العاتية التي لا تبقي ولا تذر.

ويوجز المؤلف أيضا أهم نتائج ما يصفه بـ"التحالف المقدس" بين التضخم اللانهائي لرأس المال والتطور اللامحدود للتقنية في الديمقراطيات الكبرى في آسيا وأوربا وأمريكا بأنه "دينامو العولمة" وفاعلها الكوني، بالرغم من أننا أصبحنا اليوم أمام حضارة واحدة ساهمت فيها كل الحضارات الكبرى السابقة الصينية والهندية والعربية والإسلامية، لولا أن الرائد الفعلي لهذه الحضارة الحديثة يبقى الغرب بشقيه الأوروبي والأمريكي، حتى وإن ذابت فيها مساهمات الحضارات السابقة.

ومقابل وحدة الحضارة الحديثة، التي يتحكم فيها الغرب، هناك الثقافات التقليدية المعروفة، التي ذابت مساهماتها الحضارية السابقة في مصهر الحضارة الحديثة التي أصبحت ذات ملمح غربي، وهي اليوم في وضعية دونية رغم إصرارها ومثابرتها ومعاناتها من أجل استدراك تأخرها التاريخي، ومن أجل اللحاق بركب تطور تاريخي يتزايد كل يوم تسارعا.

أما المقصود بالحديث عن "حضارة واحدة"، فمفاده أن هناك طريقة واحدة للتحليل الكيميائي للمادة، وقوانين فيزيائية واحدة، وتركيبا واحدا للخلية، وطريقة واحدة لصناعة الكمبيوتر، وأسلوبا واحدا لارتياد الفضاء؛ وبعبارة أخرى فالأساس الفلسفي لوحده الحضارة هو وحده العالم ووحدة العقل. ومقابل ذلك نجد أن الثقافات العريقة دخلت في دينامية تنافسية جديدة قاتلة، ووجدت نفسها في وضعية تمزق بين ماضيها وحاضرها، بين صورتها المثالية عن ذاتها وواقعها الدوني، مما يسر لها تطوير آليات دفاعية وتبريرية قوية.

تفكيك الظاهرة الإرهابية

لأننا في زمن الحديث عن الإرهاب والعنف والعنف المضاد، سواء كان مؤسساتيا أو دولاتيا أو جماعاتيا، مهم جدا الاستشهاد باجتهادات محمد سبيلا في هذه المفاهيم، مدقّقا بداية في إشكالية تعريف الإرهاب، بحكم أنها ليست مشكلا إبستمولوجيا بقدر ما هو مشكل سياسي، ذلك أن هناك حدودا رفيعة وحساسة بين العنف السياسي المشروع (على الأقل من زاوية مواثيق الأمم المتحدة التي تنص على حق الشعوب في تقرير مصيرها) وبين العنف السياسي غير المشروع الذي يدخل في خانة الإرهاب، معتبرا أنه إذا كان بالإمكان تعريف الإرهاب بأنه استعمال العنف الفيزيائي في حق المدنيين والقيام باحتجازهم أو قتلهم أو المساومة بهم بهدف الوصول إلى تحقيق أهداف سياسية، فإن سمته الأساسية دمويته وشراسته ونزعته الانتقامية التي تطال أطرافا أو فئات مدنية لا علاقة سببية مباشرة لها بالأسباب التي يمكن للمقترف الاستناد إليها دون مراعاة للنتائج اللاإنسانية واللاأخلاقية للضحايا الذين يؤخذون بذنب الآخرين.

وتقاطعا مع أطروحة المفكر الفرنسي أندريه غلوكسمان الذين انخرط في الترويج للمرجعية العدمية في تفسير الظاهرة الإرهابية، مباشرة بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن، كما جاء في كتابه الشهير: "دوستويفسكي في مانهاتن"، حيث صَنّف المتورطين في اعتداءات نيويورك وواشنطن في خانة "الإسلاميين العدميين"، وتقاطعا أيضا مع اجتهادات المفكر الفلسطيني بشير موسى نافع، وحديثه عن "العبث الذي انحدرت إليه العقلية المؤسسة لهذا الوضع. كما النموذج الخارجي في القرون الإسلامية الأولى، ما بدأ راديكالية سياسية، واستدعاء تبسيطيا للنصوص الإسلامية، ينتهي إلى حالة من العبث المأساوي، فكرا وسياسة"، يذهب سبيلا إلى أن الإرهابي المعاصر ليس عَدَميا بالكامل، فهو يائس من الحياة، وعلى استعداد لأن يضحي بحياته الشخصية من أجل الأهداف الكبرى التي تستحق أن يحيا أو يموت من أجلها: الدولة أو الشعب أو اللغة أو الدين، وذلك لتستمر الحياة بشكل أحسن في نظره. وسواء وضع الإرهاب كهدف له تحقيق مصالح مادية ملموسة لمن يعبر عنهم، أو تحقيق مكاسب روحية ومعنوية، فإن وقوده على وجه العموم هي الإيديولوجيا أو الخلفية الثقافية، وهذا مربط الفرس في المواجهة المفتوحة ضد الحركات الإسلامية المحسوبة على التيار "الجهادي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

صفحتي على الفايس بوك

ما تقييمك للموقع؟

فضائح نائب التعليم بتاونات

تطالب برحيل النائب الإقليمي UMT

إحتجاجات غير مسبوقة بتاونات

عدد الصفحات التي تمت زيارتها