الصفحات

المكتب الاقليمي للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي .

الأعضــاء

يتم التشغيل بواسطة Blogger.




هسبريس - إسماعيل عزام
الاثنين 05 نونبر 2012 - 01:00

ليس شرطا أن تكون رائعا كي يتذكرك التاريخ، فكثير من الرائعين رحلوا دون ذكريات..وليس شرطا أن تكون إنسانا شريفا كي ينصفك التاريخ، فكثير من الشرفاء صورتهم كتب التاريخ على أنهم أنذل البشر..وليس شرطا أن تكون حيا كي يذكرك الناس، فهناك من يعيشون معنا رغما عن رغبة التاريخ في محوهم من دفاتره.

هذا الوصف الأخير هو الذي ينطبق على المهدي بنبركة، الفينيق الذي لم ولن يموت أبدا.. من رماده المشتعل ما تزال كلماته حاضرة في كثير من قلوب المغاربة، حيث إن 47 سنة بالتمام والكمال عن اختفائه الشهير لم تستطع إخماد نار الرغبة في معرفة مصير رجل لم يكن كأي الرجال.. كل سنة تعاد الأسئلة بنفس الحرقة ونفس الألم: كيف اغتالوا بن بركة؟ أين هو جثمان بنبركة؟ من قتل بنبركة؟ كأنه حق يأبى النسيان..كأنه جرح يرفض التضميد..كأنه وطن يتمرد ضد الاستبداد..

المهدي بنبركة قيل في حقه الكثير، وقيل كذلك ضده الكثير..أفكاره كواحد من أشهر القادة السياسيين في الخمسينات والستينات ألهمت الكثير من الشعوب الطامحة آنذاك للاستقلال..معارضته القوية للحسن الثاني في وقت كانت كلمة "لا" تساوي الدم والنار..واغتياله بطريقة غامضة شبيهة بسيناريوهات أفلام التشويق..عوامل جعلت من بنبركة اللغز المغربي الأكثر شهرة عبر التاريخ، ووضعته ضيفا وازنا على "زووم" لهذا الأسبوع في هسبريس، وذلك عبر رحلة إلى سنوات الخمسينات والستينات..هناك حيث سكن الألم.

بن بركة ومناهضة الاستعمار..

كان المهدي أصغر الوطنيين الذين وقعوا على وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، اسمه المكتوب على صدر تلك الوثيقة لا زال شاهدا على رغبته القوية في دحر الاستعمار بالطرق السياسية وهو لا يزال ابن الـ24 سنة، ابن مدينة الرباط الذي حاز على البكالوريا سنة 1938 بميزة جيد جدا، ثم الإجازة في الرياضيات من الجزائر بداية الأربعينات بعدما تعذر عليه الذهاب إلى فرنسا التي كانت محتلة من طرف ألمانيا الهتلرية.

كان المهدي مثالا مبهرا للنضال حيث ظهرت بوادره الأولى بالجزائر حين انتخب إبان دراسته رئيسا لاتحاد طلاب شمال إفريقيا، ومباشرة بعد عودته للمغرب انتخب في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، وكان من بين المساهمين في إصدار جريدة العلم، مما جعل الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب تجعله على رأس قائمتها السوداء ليتم اعتقاله ونفيه إلى الجنوب المغربي ابتداء من سنة 1951، ولم تمنعه 3 سنوات من الاعتقال والنفي أن يعمل بشكل جدي من أجل تعميق معارفه السياسية إلى حين الإفراج عنه سنة 1954.

امحمد الخليفة، القيادي في حزب الاستقلال، قال في تصريحات لهسبريس: "المهدي كان بالنسبة لنا نحن من بدأنا ممارسة الوعي السياسي مثالا حيا للنضال ضد الاستعمار، كنت داخل الشبيبة الاستقلالية التي دائما ما كان بنبركة يؤطرها، وكانت تدخلات الرجل القوية والبليغة تبهرنا وتحيي فينا الرغبة في النضال".


ومباشرة بعد خروجه من السجن، كثف بنبركة العمل من أجل استقلال الوطن، وتحول إلى خطر حقيقي ضد السلطات الفرنسية بالمغرب، وهو الأمر الذي أكده وزير البيئة السابق في عهد حكومة اليوسفي ونائب الأمين العام للحزب الاشتراكي مولاي أحمد العراقي بقوله: "المهدي كان خصما حقيقيا للمستعمر لأنه لم يكن ينفعل أو ينتقم، بل كان يمتلك مشروعا بديلا، والمشاريع البديلة هي التي ترعب المستعمرين".

وأبرز ما كان يميز عمل حزب الاستقلال في السنوات الأخيرة من عمر الاستعمار بالمغرب، هو تعاونه المميز مع المؤسسة الملكية التي كان المهدي بنبركة ينظر إليها كلبنة أساسية من أجل الحفاظ على استقرار المغرب كما يقول محمد الحبابي، القيادي داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم داخل الاتحاد الاشتراكي، في تصريحات خص بها هسبريس:" كان بنبركة مؤمنا بالمؤسسة الملكية، غير أنه كان يرى أن هناك ضرورة لكي تتطور هذه المؤسسة وتتحول البيعة من ذلك الشكل التقليدي إلى بيعة عصرية قائمة على اختيار الشعب، وهذا الأمر تفهمه الراحل محمد الخامس، رغم أن الحسن الثاني كان قد طلب من والده أن يعينه وليا للعهد بظهير وهو ما قبله محمد الخامس في البداية قبل أن يتراجع عنه ويعود إلى الشكل التقليدي للبيعة".

وأردف الحبابي بأن المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد كانا يدخلان إلى القصر الملكي متخفيين بشكل دائم لكي يتواصلا مع محمد الخامس كي لا تعرف بذلك سلطات الحماية، كما أن بنبركة كان هو الذي نظم استقبال الملك من منفاه، وساهم بشكل كبير في خطبته الشهيرة التي ألقاها بطنجة سنة 1947، بل إن الحبابي يعتقد أن بنبركة هو الذي كتبها رغم أنه لم يعترف بذلك صراحة.

بنبركة وجيش التحرير

وشهدت السنوات الممتدة بين منتصف الخمسينيات ومنتصف الستينات تداخل ثلاث جهات قوية تتبنى مطلب الاستقلال: القصر الملكي وحزب الاستقلال وجيش التحرير، ولئن كانت علاقة المهدي بالقصر في ذلك الوقت مستقرة، فعلاقته مع جيش التحرير شابها الكثير من الجدل خاصة أن التسابق حول من يملك الشرعية الأولى للنضال بدأت تظهر بوادره، على اعتبار أن جيش التحرير تشكل في وقت كان فيه الكثير من قادة حزب الاستقلال معتقلين بمن فيهم المهدي الذي كان منفيا إلى الجنوب المغربي، لذلك ومع اقتراب الاستقلال، كان هناك سؤال قوي عمن سيكون في الصفوف الأمامية في الدولة المغربية.


هنا تأتي بعض الاتهامات خاصة من الشبيبة الإسلامية التي تقول بأن بنبركة تورط في أعمال قتل بالريف راح ضحيتها عباس المساعدي، واحد من أكبر قادة جيش التحرير بالريف والذي اغتيل في ظروف غامضة في يوليوز 1956 أي 4 أشهر فقط بعد الإعلان الرسمي عن استقلال المغرب، إضافة إلى بعض الاتهامات المتعلقة باغتيال عبد الله الحداوي عن منظمة الهلال الأسود، غير أن الكثير ممن عاصروا المهدي نفوا بشكل قاطع هذه الاتهامات، فالحبابي الذي تكفل بنبركة بمقامه بالرباط سنة 44 عندما كان يجتاز امتحان البكالوريا ثم ساعده في نيل الدكتوراه سنة 55 يقول: "لم يكن المهدي يقتل أو يعطي أوامر بالقتل، ومثل هذه الدعايات أطلقها مجموعة من الأشخاص وعدد من الأحزاب الكرطونية التي أنشأها القصر الملكي فيما بعد للنيل من حزبي الاستقلال ومن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، وهذا الأمر يؤكده اخليفة الذي يقول بأن هناك "أقلام وجهت وأحزاب خلقت منذ 58 من أجل النيل من مناضلي الشعب المغرب ومن بينهم بنبركة"، كما يتحدى مولاي أحمد العراقي هذه الجهات التي تتهم بنبركة مطالبا إياها بإتيان براهينها إن كانت صادقة.

الاستقلال الناقص..

 أتى الاستقلال الموعود، وانتقل المغاربة من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر؛ أي من محاربة الاستعمار إلى بناء الدولة، وسعادة الكثير من القادة المغاربة بهذا الاستقلال لم تكن غامرة وعلى رأسهم المهدي بنبركة الذي سألته أخته بعد إعلان الاستقلال: "لماذا لا تفرح يا المهدي كبقية الناس"؟ ليجيبها: "لم نأخذ استقلالنا بعد، ما تحقق لحد اللحظة هو نصف استقلال فقط".

كان بنبركة يحس في قرارة نفسه أن هناك شيئا ليس على ما يرام، وهو ما ترجمه في ما بعد في تقريره"الاختيار الثوري" عندما تحدث عن خطأ مفاوضات إكس ليبان التي شارك فيها، والتي أعطت للمغرب استقلالا ناقصا مقابل استمرار نهب السلطات الفرنسية للخيرات المغربية، كما يقول مولاي أحمد العراقي، فـ"المهدي اعترف فيما بعد بأن تلك المفاوضات ما كان عليها أن تكون بتلك الطريقة التي سهلت استمرارية اللوبي الفرنسي في المغرب".

غير أن هذا الألم لم يمنع بنبركة من مواصلة العمل مع حزبه ومع المؤسسة الملكية من أجل بناء مغرب الغد، ومن أكبر الأدلة على ذلك إشرافه على بناء طريق الوحدة الذي جمع بين المغرب الذي كان تحت الوصاية الفرنسية بالذي كان تحت الوصاية الإسبانية، فـ"خطاب محمد الخامس حول هذا المشروع أشعرنا بنوع من العجز في كيفية تطبيقه، لكن ما إن التقينا بالمهدي بنبركة، حتى ظهرت لنا خطة العمل سهلة بعد شرحه المميز، فقد كان وجوده معنا حافزا كبيرا، كان يبني معنا الطريق، وفي الليل يسهر معنا في النقاش" يقول امحمد الخليفة.


ورغم كل المحاولات من أجل إقناع بنبركة للدخول في أول حكومة من بعد الاستقلال، فقد فضل أن يكون رئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وأن يكتفي بتكوين الشباب في العمل السياسي داخل حزب الاستقلال، لكن سرعان ما بدأت الخلافات تدب في جسم حزب الاستقلال الذي صار فضاء لمجموعة من التيارات السياسية والنقابية والحقوقية، خاصة مع تبلور الأفكار الاشتراكية في ذهن المهدي ومجموعة من رفاقه كعبد الرحيم بوعبيد والفقيه البصري والمحجوب بن الصديق، إضافة إلى وجود بعض المنتفعين داخل حزب الاستقلال ممن كانوا يتقربون من ولي العهد الراحل الحسن الثاني من أجل الدخول إلى الحكومة، كما يؤكد محمد الحبابي الذي يحكي كيف أنه كان ذات يوم في منزل بوعبيد لما كان هذا الأخير وزيرا للاقتصاد وكان الحبابي موظفا في ديوانه، ثم أتى المهدي بنبركة واقترح على بوعبيد تشكيل حزب جديد بسبب كثرة المنتفعين داخل حزب الاستقلال، ولفترات ظل بوعبيد رافضا للفكرة قبل أن يذعن لها ويعلن موافقته على تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي رأى النور سنة 1959.

وتوجد بعض الروايات التي تتحدث عن كون بنبركة طرد بطريقة غير مباشرة من حزب الاستقلال بعدما ظهر أن هناك اختلافا جذريا حول مواقف رجالات الحزب خاصة فيما بتعلق بالموقف من المؤسسة الملكية رغم أن المهدي بنبركة كان في السنوات الأولى للاستقلال هو دينامو الحزب، وفق إفادة امحمد الخليفة.

النزاع مع الحسن الثاني

ويذكر رضا اكديرة في كتاب "مغرب الحسن الثاني" كيف أن الأمير مولاي الحسن اعتبر تأسيس حكومة يسارية قوية نهاية سنة 58 خطرا على المؤسسة الملكية، خاصة أن اليسار كان قويا في العالم سنوات الخمسينات والستينات، لذلك شكل الأمير حينذاك معارضة قوية من الشخصيات الأكثر تمثيلية تكفلت بإسقاط حكومة عبد الله إبراهيم الذي كان قد انفصل مع أصدقائه عن حزب الاستقلال وشكلوا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية".

توفي محمد الخامس، واعتلى الحسن الثاني العرش سنة 61، في وقت كانت فيه الكثير من الملكيات مهددة في العالم العربي، لذلك كان الحسن الثاني واعيا بضرورة تقوية منصبه كحاكم للبلاد، وهي الرغبة التي اصطدمت برجال الحركة الوطنية الذين لم يكونوا ليقبلوا أن يبقوا كمجرد متفرجين على الساحة السياسية، وأكيد أن بنبركة كان في مقدمتهم خاصة وأننا نعلم كيف كان مقتنعا على أن الملكية يجب أن تطور من نفسها وتستجيب لحاجيات عصرها، إضافة إلى أن محمد الخامس توافق مع مكونات الحركة الوطنية على نوع من الملكية البرلمانية قبل الاستقلال لاجتثاث المستعمر من البلاد كما يؤكد لنا مولاي أحمد العراقي، مما يظهر أن الحسن الثاني لم يكن مستعدا لتقديم مثل هذه التنازلات.


 ويضيف العراقي أن النزاع بين الحسن الثاني والمهدي بنبركة كان يتمحور حول توزيع السلط، فالملك الراحل كان متشبثا بالإبقاء على أسس الدولة المخزنية، في حين كان المهدي بنبركة مقتنعا بملك يسود ولا يحكم، أي أنه كان يرى في الملكية ضرورة، لكن بشرط أن تكون ديمقراطية، كما يتحدث العراقي عن أن الكثير من رجال الاستعمار تدخلوا بعد الاستقلال لنسف هذا التوافق حول الملكية البرلمانية، حيث حاولوا تشويه صورة مناضلي الحركة الوطنية لدى القصر الملكي، زيادة على أن " الحسن الثاني ربما اعتقد أن الملكية البرلمانية قد تهدد عرشه خاصة في وقت كانت فيه الكثير من الملكيات تتساقط في العالم العربي، لذلك قام بكل ما يمكن القيام به من أجل منع الملكية البرلمانية حتى ولو كان الأمر متعلقا بملكية مطلقة" يقول العراقي في حديثه مع هسبريس.

 ومن بين أهم ما طبع التوتر بين بنبركة والحسن الثاني، تصويت حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على الدستور الذي قدمه الحسن الثاني سنة 62 ب "لا" مقابل تصويت حزب الاستقلال عليه ب"نعم"، وهي "لا" التي كانت ضد الحكم المطلق وضد دستور لم يكن ينسجم مع مبادئ الديمقراطية كما هو متعارف عليه حاليا، وقوة الأعضاء المؤسسين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية جعلت من "لا" سنة 62 كلمة قوية أثارت جدلا كبيرا ووصل مداها إلى خارج المغرب. ومن نتائج هذه الكلمة، الحكم على بنبركة بالإعدام في أطار ما يسمى بمحاكمة يوليوز 63 التي يصفها العراقي بالمصطنعة، والتي بسببها خرج المهدي من المغرب رغم أنه حقق فوزا لافتا خلال انتخابات نفس السنة عندما فاز في دائرة يعقوب المنصور بالرباط، إضافة إلى تخوين بنبركة بسبب مساندته للنظام الجزائري خلال حرب الرمال بأكتوبر من نفس السنة، رغم أن ابنه البشير أكد لجريدة المساء أن والداه كان رافضا للحرب ككل وكان يحاول التوفيق بين مسؤولياته كمسؤول لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية وقيادي مغربي وصديق لجبهة التحرير الجزائرية.

سنة الاغتيال الأشهر في تاريخ المغرب

 رغم الأزمة بين الحسن الثاني والمهدي بنبركة ، فقد كان هناك نوع من التقدير بينهما، يقول محمد اخليفة أن الملك الراحل كان يقدر كثيرا المهدي خاصة أنه كان أستاذه في الرياضيات، كما أنه وفي عز الأزمة كان سفير المغرب في فرنسا مولاي علي يتشاور مع بنبركة حول إمكانية دخول هذا الأخير في الحكومة الائتلافية التي اقترحها الحسن الثاني، وكان رأي بنبركة آنذاك إيجابيا، وفي هذا الصدد يستعيد محمد الحبابي تلك الأيام متحدثا:

 " 23 مارس 65، قتلت وزارة أوفقير العشرات فيما عرف بانتفاضة التلاميذ ، وحينها اتصل الحسن الثاني ببوعبيد متحدثا عن أن هناك طائرة هيلوكبتر تنتظره وراء القصر، وأنه مستعد للهرب من المغرب في حال ما تصاعدت الأحداث، بنفس شاكلة ما وقع بتونس السنة الماضية عندما هرب بنعلي، واقترح الحسن الثاني في ذلك الوقت على بوعبيد إنشاء حكومة ائتلافية تتكون من قادة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية لإنقاذ الوضعية، شرط أن يعود المهدي بنبركة ويتولى وزارة الخارجية، لذلك بعث الملك بسفيره في فرنسا محاولا إقناع بنبركة الذي أكد أنه سيعود للمغرب، لكن فقط بعد زيارته لكوبا، حيث كان يحضر لمؤتمر القارات الثلاث بهافانا".


ويتابع الحبابي:" سافرت عند المهدي بنبركة بباريس بطلب من بوعبيد، أخبرته كيف أن الملك اقترح علينا أن نشارك في الانتخابات، وكيف أن الجميع داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان متأكدا من أننا سنحوز على الأغلبية، أتذكر جيدا حديثنا في مقهى les champs Elysée بباريس، وبينما كنا نتحدث، كان هناك ثلاث رجال من المخابرات يتبعوننا، كان بنبركة يحس بالخطر هناك أيضا، فقد كان يحس أنه ستكون هناك محاولة جديدة لاغتياله بعد محاولاتين سابقتين بالمغرب وسويسرا، كما أن المهدي أخبرني أن لديه موعدا مع الرئيس الفرنسي في نونبر من نفس تلك السنة، لكن للأسف اغتيل المهدي يوما قبل أن يلتقي به".

الإطار السياسي للاغتيال..

وظلت أسئلة من قبيل: من المسؤول عن اغتيال المهدي بنبركة وكيف تمت تصفيته وأين هو جثمانه مطروحة طوال 47 سنة، والمثير في الأمر أن الكثير من الشهود وجدوا منتحرين لصلتهم بالحادث كما تقول الدوائر الرسمية، وعموما فما تتفق عليه الكثير من الشهادات أن هناك من عمل فخا للمهدي بإقناعه بالمشاركة في فيلم حول الحركات التحررية بالعالم، ثم اختطفه شرطيان فرنسيان من أمام مطعم ليب بباريس حيث اختفى عن الأنظار.

ومن الشهادات المهمة في هذا الصدد، شهادة أحمد بخاري العميل السابق في الاستخبارات المغربية الذي قال لمجموعة من وسائل الإعلام بداية الألفية الثالثة أن بنبركة تعرض للتعذيب بشكل وحشي من طرف أحمد الدليمي مساعد وزير الداخلية محمد أوفقير، في إحدى الفيلات في فونتناي ـ لو فيكونت بالقرب من باريس، واستمر التعذيب بعد وصول أوفقير الذي شارك فيه كذلك، ليفارق المهدي الحياة حوالي الساعة الثالثة من فجر يوم السبت 30 أكتوبر، ونقلت جثته للرباط، حيث أذيبت في خزان من حمض الأسيد، ويضيف البخاري كذلك في حوار كانت قد أجرته معه قناة الجزيرة أن المخابرات المغربية وعناصر من سي أي إيه الأمريكية اتفقوا على وضع حد لحياة المهدي بنبركة بسبب نشاطاته الاشتراكية.

 ومن الشهادات كذلك، توجد شهادة الحبابي لعدد من الجرائد الوطنية حين صرح أن جثمان المهدي بنبركة مدفون تحت السفارة المغربية بفرنسا، بينما دفن رأسه بالمغرب بالنقطة الثابتة PF3 ، وقد أكد الحبابي أن اغتيال بنبركة دبره الأمريكيون الذين تعاون معهم جهاز الاستخبارات المغربي الكاب 1 ، وأن الحسن الثاني حاول منع هذا الاغتيال عندما كان يتصل ببنبركة من أجل أن يرجع للمغرب، لأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تدبر لاغتيال مجموعة من الشخصيات المنظمة لمؤتمر القارات الثلاث الذي يضرب مصالحها، رغم أن الحبابي عاد ليؤكد في حوار له مع يومية المساء المغربية أن الراحل الحسن الثاني اعترف بالتقصير في منع اختطاف المهدي بنبركة وهو ما ترجمه بمراجعة عدد من مواقفه بداية التسعينات.


وتوجد كذلك شهادة فلوري، وهو واحد من أفراد القوات الفرنسية الخاصة سابقا، الذي قال إن جثة بنبركة أحرقت في بناية خارج باريس. وقد حاول الصحفيان الفرنسيان جاك درجي وفرديرك بلوكان لملمة أجزاء الحقيقة، في تحليل ظهر منطقيا إلى أبعد الحدود، فشخصية المهدي بنبركة كمعارض اشتراكي معروف، جعلته هدفا لأربعة أطراف أساسية هي الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تريد إفشال مؤتمر القارات الثلاث وتريد زعزعة الرئيس الفرنسي دوغول الذي كان يأبى الانحياز إليها، إضافة لرغبتها في تخليص حليفها المغربي من معارض قوي، وهناك الطرف الثاني وهو الدولة الفرنسية التي تواطأت لمنع كشف الجريمة ومرتكبيها، زيادة على الطرف الثالث أي الدولة الإسرائيلية التي كانت شريكا قويا للمغرب آنذاك وكانت تريد التخلص من بنبركة الذي كان يناضل عالميا من أجل فلسطين، ثم السلطة المغربية ممثلة في وزير الداخلية أوفقير.

ومن الغريب في قضية بنبركة أنها تظهر كفيلم تشويق، بفارق بسيط هو أنه فيلم بأحداث واقعية، فعدد من الشهود في القضية انتحروا أو قتلوا، فجورج فيغون رجل العصابات الفرنسي الذي رتب اختطاف بنبركة تم العثور عليه منتحرا بداية 66، وعلقت الجريدة الفرنسية لوكنار أونشيني على موته بعنوان "فيغون ينتحر برصاصتين في ظهره" كما قال البشير بنبركة في أحد حوارته مع المساء، إضافة لثلاثة من رجال العصابات الذين اختطفوا بنبركة والذي تمت تصفيتهم، ثم الدليمي الذي توفي في حادث سيارة مثير للجدل.

ماذا تبقى من فكر بنبركة؟

 يقول فتح الله ولعلو أحد القياديين الاشتراكيين عن بنبركة:" كان رجلا استثنائيا بدون مبالغة، كان جد ذكي وجد مجتهد، لم يكن رجل قطيعة، بل كان رجلا واقعيا، دائما يبحث عن طريق للتفاوض وربط التواصل، اغتياله قوى الأطماع الخارجية ضد المغرب، ولو كان المهدي بنبركة على قيد الحياة لكان قوة تفاوضية أقوى بالنسبة للمغرب للدفاع عن الصحراء، وقد كان رحمه الله رجل حركة، يفكر بسرعة، يعطي مئات الأفكار يوميا، باختصار كان رجلا وظف حياته من أجل المستقبل".

ويتحدث مولاي أحمد العراقي عنه:" الحاجة اليوم لفكر بنبركة هي حاجة ملحة جدا، ويجب أن نستفيد من فكره عندما كان يتأقلم مع المستجدات الواقعية وعندما كان يتعامل مع المغرب المعاصر في الوقت المعاصر".

Ajouter une légende

Ajouter une légende
والأكيد أن مكانة بنبركة كبيرة جدا عند الكثير من المغاربة، خاصة عند من تشبعوا بالأفكار الاشتراكية، لكن هل كان المهدي سيكون سعيدا وهو يرى هذا التشتت الذي حدث لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثم لحزب الاتحاد الاشتراكي فيما بعد؟ هل كان ليكون فرحا ورفاق دربه يدخلون في تجربة اسمها حكومة التناوب لم تقم سوى بقتل الكثير من وهج الاشتراكيين في المغرب؟ هل كان ليكون مطمئنا ورفاق دربه يدخلون إلى وزارة العدل مرتين دون أن تكون لهم القدرة لتحريك ملفه؟ هل كان المهدي ليقبل لو بقي حيا بتحريف مسار الإتحاد الاشتراكي الذي قبل أن يبقى في حكومة رئيسها لم يأت من الانتخابات؟

يقول مولاي أحمد العراقي في نهاية حديثه لهسبريس بكثير من الألم:" لو بعث المهدي بنبركة من جديد، فأكيد أننا لم نكن لنسقط في الكثير من الأخطاء، ولو كان رئيسا لحكومة تملك الكثير من الصلاحيات التي قتل من أجلها الكثير من شرفاء هذا الوطن، أكيد أنه كان ليفعل الكثير والكثير"..

فكم من غائب حاضر بفكره وإنجازاته..وكم من حاضر غائب حتى ولو ملأ السماء خطبا وتصريحات!

0 التعليقات:

إرسال تعليق

صفحتي على الفايس بوك

ما تقييمك للموقع؟

فضائح نائب التعليم بتاونات

تطالب برحيل النائب الإقليمي UMT

إحتجاجات غير مسبوقة بتاونات

عدد الصفحات التي تمت زيارتها