الصفحات

المكتب الاقليمي للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي .

الأعضــاء

يتم التشغيل بواسطة Blogger.


لم يحدث أن أثارت حفلة الولاء التي تقام كل سنة في القصر الملكي مباشرة بعد عيد العرش موجة من الاحتجاج والاستنكار كما كان الحال هذه السنة. لقد كانت البيعة وطقوسها دوما من الأمور المقدسة - و ما أكثرها بالمغرب – التي لا يكاد يتجرأ أحد على انتقادها في الفضاء العام أو وضعها محل تساؤل و نقاش سواء من حيث المضمون أو من حيث الشكل.

فمن ناحية المضمون كان هذا المفهوم يحيل في الأصل على عقد بين طرفين – مبايعة – هما الحكام والمحكومون حيث يلتزم كل طرف بواجبات ويتمتع بحقوق، إلا أن الخطاب الرسمي قام بتزييفه خصوصا في العقود الأخيرة ليصبح عبارة عن خضوع كامل ومطلق من المحكومين أي الرعية للحاكم أي الملك بصفته أمير المؤمنين.

طقوس تصبغها السلطة بصباغة القداسة

وهكذا يتضاءل مفهوم المواطن بل يختفي ليحل محله مفهوم الرعية. ولأن الرعية كلمة لا مفرد لها فكذلك الفرد يصبح لا قيمة له بل لا وجود له كفاعل أو كائن سياسي وهو ما تكرسه في الأذهان صورة الجموع التي تنحني أمام الملك ككتلة واحدة. ولفظ البيعة غائب تماما عن النص الدستوري، إلا أنها وردت هذا العام في خطاب الملك يوم عيد العرش 30 يوليوز الذي وصفها بالمقدسة، علما أن القداسة اختفت أصلا من الدستور بعد تعديل فاتح يوليوز 2011، حيث لم يعد شخص الملك مقدسا كما كان من قبل، وكأن هذه المناورات اللفظية تستهدف إفراغ الوثيقة الدستورية من حمولتها وفرض البيعة من أعلى كأنها كائن خارق "فوق دستوري" لأنه مقدس ينتمي لعالم المطلق.

أما من ناحية الشكل فهو يعتمد على إذلال البشر حيث يصطف بضعة آلاف من الأعيان ورجال ونساء السلطة تحت الشمس الحارقة في الساحة الكبرى للقصر الملكي ويقومون بالانحناء عدة مرات أمام الملك وهو راكب فرسه تماما كما يركع الناس لرب العالمين أثناء الصلاة.

هذه السنة، وامتدادا لاحتجاجات حركة 20 فبراير والمناخ الجديد الذي تبعها، استنكر بعض النشطاء والمناضلين هذا المنظر المهين فأطلقوا على الفيسبوك مبادرة إقامة حفل آخر للولاء ولكنه الولاء للحرية و الكرامة.

لكن القوات العمومية قامت بإجهاض هذه الوقفة السلمية مستعملة العنف المفرط حيث أتت عناصر الشرطة والقوات المساعدة وقوات مكافحة الشغب أصحاب الهراوات والقبعات الواقية، بأعداد تفوق بكثير عدد المحتجين ولم يسلم من عنفهم لا المارة ولا الصحفيون.

أمام هذا الفعل، سارع المحامي المعروف النقيب عبد الرحيم الجامعي وهو عضو في اللجنة الملكية لإصلاح القضاء، بالتعبيرعن غضبه الشديد فخاطب رئيس الحكمة في رسالة مفتوحة شديدة اللهجة قائلا على الخصوص :

"فإن كانت حكومتكم وأنتم على رأسها، تؤمن بمسؤولياتها وبصلاحياتها وبالعهد الذي تعاقدتم عليه مع المغاربة، لكان عليكم يوم الهجمة الأمنية والحكومية العلنية ضد حرية التوقف والإحتجتج السلمي لمواطنين ومواطنات عزل، أن تعلنوا غضبكم باسم الشعب المغربي على استمرار الاعتداءات البوليسية، وأن تعلنوا الاحتجاج باسم الضحايا على إراقة دمائهم وضربهم والمس بشرفهم، وأن تأمروا زميلكم وزير العدل والحريات وباسم القانون وقيم الحقوق والأخلاق، أن تأمروه وحالة التلبس قائمة ومشهورة، باعتقال المعتدين والمخططين والمدبرين وعلى رأسهم وزير الداخلية وعناصر الأمن وأجهزته المشاركة في ارتكاب الجريمة"

كما عبرت منظمات حقوق الإنسان عن استيائها بما فيها منتدى الكرامة لحقوق الإنسان الذي يرأسه عبد العالي حامي الدين عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة ويتحمل مسؤولية ما وقع.

«جهات مجهولة تحكم البلد»

هناك سؤال يطرح نفسه و يبقى دون جواب : بما أن رآسة الحكومة تعترف أنها لم تكن على علم بما حدث لدرجة أن النقيب الجامعي وصف رئيس الحكومة بالكائن الخيالي figurant وبما أن وزير الداخلية اعترف هو الآخر بعدم علمه بالأمر وذلك بُعيد وقوعه فمن هو الذي أصدر الأوامر بمهاجمة المواطنين؟ هذا سؤال يحيل على سؤال عريض : من هو صاحب القرار بالمغرب ؟

إن الموقف الغير مسؤول الذي ظهرت به الحكومة يبرهن مرة أخرى أن مركز القرار لم يتغير وهو القصر الملكي وامتداداته، وهذه الواقعة ليست معزولة وتذكرنا بأخرى مشابهة : لقد نشرت جريدة أخبار اليوم في عدد 771 ليوم 4-6-2012 فقرة من خطاب السيد محمد يتيم، النائب الأول لرئيس مجلس النواب وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أمام مجموعة من الأطر العليا المعطلة ضحايا القمع البوليسي حيث عبر عن العجز قائلا : " إن حكومة ابن كيران لا تستطيع فعل كل شيء ........وأن ابن كيران ليس هو من يحكم، ولكن هناك لوبيات وأجهزة هي من تتولى تدبير عدد من الملفات " وأضاف " نحن لا نملك سوى 27 في المائة والباقي تشكله تنظيمات أخرى، ولو كنا نملك 50% في المائة لاستطعنا التصرف بحرية أكبر........ الأمر بالتدخل في حقكم ( يقصد الاطر المعطلة) لم يصدر عن رئيس الحكومة، كما هو الأمر فيما يخص هدم السكن العشوائي، الأمر جاء من جهات لا نعلمها ."

نفس التوجه أعرب عنه قبل ذلك النائب المقرئ أبو زيد الإدريسي عشرة أيام فقط بعد فوز العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية شهر نونبر 2011. مباشرة بعدما ضمن مرة أخرى مقعده البرلماني نسي السيد النائب – وهو من مفكري الحزب - خطاب الحملة الانتخابية حول الحكامة الجيدة وتحمل المسؤولية و القطع مع الغفلات من العقاب ودولة القانون ليعود لخطاب واقعي جدا " حكومة العدالة والتنمية إذا كتب لها أن تتشكل ستتعرض للكثير من الانتقادات وستواجه مطالب و انتظارات فوق سقف الممكن و المتاح و أنا أعذر كلا الطرفين : أعذر حكومة مقيدة بدستور وقوانين وأعراف وخطوط حمر غير مرئية وأعذر المطالبين بتحسين ظروفهم في وقت قياسي نظرا لحجم المعاناة التي يكابدوها منذ فجر الاستقلال "

خطوط حمراء غير مرئية ...

وهكذا، فالبيعة وطقوس الولاء التي تجاوزها الدهر جزء من هذه الخطوط الحمراء. إنها تمثل في ذهن الحرس القديم حجر الأساس لشرعية النظام الملكي في المغرب ولذلك يعتقد هؤلاء أن أية محاولة ولو لنفض الغبارعنها شكلا بمثابة تهديد يجب مقاومته بشراسة وكتمانه إعلاميا. ولكنهم عندما أقدموا على قمع أصحاب حفل الولاء للحرية والكرامة، حصلوا على عكس هدفهم: بدلا من خنق الموضوع، احتدم النقاش واهتمت به وسائل الإعلام في العالم ونزل مفهوم البيعة من "سدرة المنتهى" وعالم الطابوهات إلى فضاء المواضيع المتداولة، بل تم تنظيم حفل رمزي للولاء والكرامة بباريس أمام سفارة المغرب يوم فاتح شتنبر من طرف مواطنين مغاربة مقيمين بأوربا تضامنا مع إخوانهم الذين تعرضوا للقمع بالرباط، والذين حرصوا من جهتهم على توجيه رسالة ساخرة لرئيس الحكومة ووزيره في الداخلية جاء فيها على الخصوص : "يطيب لنا، نحن المنظمون لوقفة حفل الولاء للحرية والكرامة بالرباط يوم 22 غشت 2012، أن نعبر لكم عن بالغ الشكر وعميق الامتنان عل مجهودكم الحميد الذي كان له الأثر البالغ في إنجاح مبادرتنا المتواضعة وإعطاء حفلنا بعدا وإشعاعا فاق كل توقعاتنا.

إن تدخل رجال الأمن من شرطة وقوات مساعدة وعناصر بزي مدني وعناصر خفية- والتي تقع تحت مسؤوليتكم وتأتمر بأوامركم، حيث حاصرتنا بسرعة فائقة بغية إجهاض وقفـتـنا السلمية، فاستعملت معنا العنف المجاني بدون مبرر، وتهجمت علينا وعلى أهل الصحافة الوطنية والدولية فأسالت شيئا من دمائها- أثار انتباه الإعلام المغربي والدولي لهذا الحفل الجديد في التاريخ المعاصر لبلدنا، والمؤشر على أن قيم الحرية والمواطنة الكريمة في طريقها للانتصار، وأن منطق الرعية والسيد والعبد يعاني من بؤس فكري ومأزق حضاري".

هل وصلت الرسالة يا ترى؟

---

 هذه ترجمة تقريبية قام بها موقع لكم لمقال باللغة الفرنسية لأحمد ابن الصديق، نشره مؤخرا الموقع الفرنسي "سليت أفريك www.slateafrique.com" التابع لمجموعة مواقع سليت الإعلامية وهي من فروع واشنطن بوسط. الفرع الناطق بالفرنسية يشرف عليه الصحفي جون ماري كولومباني مدير النشر السابق لصحيفة لوموند.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

صفحتي على الفايس بوك

ما تقييمك للموقع؟

فضائح نائب التعليم بتاونات

تطالب برحيل النائب الإقليمي UMT

إحتجاجات غير مسبوقة بتاونات

عدد الصفحات التي تمت زيارتها