الصفحات

المكتب الاقليمي للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي .

الأعضــاء

يتم التشغيل بواسطة Blogger.




المقال أسفله هو نص المداخلة ألقيت بعض مقاطعها في ندوة وضعية حقوق الأنسان بالمغرب المنظمة من طرف جمعية أكراو نريف ببلجيكا يوم السبت 08/12/2012 بمناسبة الذكرى 64 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان .حاول فيها الباحث تسليط الأضواء على مجموعة من التحولات التي عرفها المشهد الحقوقي مستخدما منهجا تراجعيا في قراءة الأحداث الراهنة التي كانت ، في نظره ، نتيجة مباشرة لطريقة تدبير مجموعة من المحطات السياسية واللحظات الحقوقية الحاسمة من طرف ثلة من الفاعلين تتفاوت درجة مسؤولياتهم في صنع هذا الأفق التشاؤمي الذي بات يهدد مستقبل المغرب ويعرضه لهزات سياسية كبرى وبنفس المنهج يقف صاحب المقال مليا في قراءة أهم التحولات التي عرفها المغرب بعد أن تصدر شباب 20 فبراير واجهة التأثير في مسار الأحداث وكيف سرق منهم الانتصار من طرف إسلاميي العدالة والتنمية مؤكدا في آن معا نجاح الدولة في اختيار هذه الحزب لكونه ساهم في إضعاف دينامية حركة 20 فبراير أو على الأقل التقليل من خطورتها وشعبيتها ، لأنه يقول الباحث، لو كانت الأصالة والمعاصرة هي التي وصلت إلى رئاسة الحكومة بعد انتخابات سنة 2011 لكان النظام يواجه اليوم ثورة شعبية عارمة . ولم يفته أن يقف عند تأثيرات الأحداث السياسية الكبرى على المشهد الحقوقي بالر يف محاولا تقديم تفسير ومقاربة لأسباب تشدد الحملة الأمنية على المنطقة التي جاءت حسب المحلل نتيجة فشل الاختيارات السياسية والتنموية للدولة على وضع حد لجراحات الماضي ..

ويحذر الباحث من خطورة عودة سنوات الرصاص التي تؤشر بعض المعطيات الميدانية أن الدولة انتقلت من مرحلة ما يسمى بالاستبداد الناعم كنوع من المكر الخفي في طمس حقيقتها إلى ممارسة العنف العاري والمواجهة المفتوحة مع قوى المعارضة السياسية والشعبية ..


إليكم النص الكامل للمقال كما توصلنا به :

حقوق الإنسان بالمغرب في زمن أزمة الانتقالات السياسية المعاقة وديمقراطية السياج الحديد !؟ 

يمتاز المشهد الحقوقي والسياسي بالمغرب عموما والريف على وجه الخصوص بتدهور خطير جراء تصاعد حملات القمع في حق مناضلي الحركات الديمقراطية والحقوقية والشبابية كجزء من سياسة ممنهجة وطنيا من قبل الدولة والحكومة الإسلامية ، وتحمل هذه المرحلة علامات وسمات كبرى شبيهة بمرحلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولربما تشكل جولة ثانية لصراعات دامية قد تفتح الباب من جديد لعودة سنوات الرصاص ومناخات الخوف والرعب . وحدها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وبعض الإطارات الحقوقية والسياسية والنقابية واليسارية التقدمية من يدق ناقوس الخطر وينتقد بلا هوادة هذه السياسة العمياء والعرجاء ، فيما تبدو غالبية الأطراف الأخرى : السياسية والنقابية والجمعوية .. مؤيدة لها سواء بشكل ضمني أو صريح بعض الأحيان .فمما لاشك فيه أن الدولة نجحت نسبيا في تسويق منظومة من الإصلاحات الممنهجة لردع الربيع الديمقراطي المغربي المجسد في نضالات حركة 20 فبراير وهيئاتها الداعمة ونالت بذلك رضى مجموعة من الأطراف الدولية و لاسيما الاتحاد الأوربي، غير أن الصورة بدأت تتغير بسبب الحملة الحقوقية القوية وطنيا ودوليا والتي كان لها الأثر البالغ على صعيد التأثير في المنظمات الحقوقية الدولية التي تحركت بدورها لفضح سياسة القمع "الذكية" التي تنتهجها الدولة المغربية ، فبدا الآن وكأن الدولة وقفت في منتصف الطريق مترددة بين الاستمرار في سياسة شراء السلم الاجتماعي وبين الاضطرار تارة أخرى إلى الالتجاء القمع والاعتقالات ، مما يجعل هذا النهج محفوفا بمخاطر تصاعد موجات الربيع الذي قد يضربها مرة أخرى بشكل يجعلها تكبد خسارة فادحة في" الشرعية السياسية"، سيما وان مؤشرات التصعيد والاستهداف الشعبي المباشر للملكيات المحافظة "الأردن نموذجا" قد تشكل طبعة ثانية للربيع الديمقراطي العربي والمغاربي ، بعد أن كانت الحلقات الأولى منصبة على وضع حد للجمهوريات الديكتاتورية والوراثية .ولم تكن هذه التحولات بمنآئ عن ظهور مرة أخرى لمؤشرات العودة إلى العهد القديم من خلال بروز تيارات إسلامية متشددة تسعى لاستغلال مناخ التغيير للانقضاض على مكتسباته بفرض نموذجها المناهض للحرية وحقوق الإنسان ولا سيما حقوق المرأة .وقد كان هذا الالتباس المرافق لموجات التغيير أثر بالغ على صعيد إحباط فئات واسعة من الشعب الذي كان يتطلع إلى تغيير أوضاعه الاجتماعية والسياسية والحقوقية فإذا به يجد نفسه مرة أخرى في صدام مع قوى التأخر والتخلف والهمجية الفكرية..

I. انتقالات سياسية معاقة ومعوقة :

1. انتقال الحكم من ملك متجبر إلى ملك الفقراء أو المستحوذ!

بعد أن حسمت الدولة جولة الصراع الأولى بعد الاستقلال لصالح قوى سياسية موالية للغرب والرأسمالية والامبريالية وسحقت معارضيها مخلفة وراءها تركة ثقيلة من الانتهاكات الحقوقية : شهداء ، معتقلين، منفيين ..اضطر الملك السابق بعد أن تيقن أن فترة ما بعد موته ستكون عسيرة على خلفه ولذلك بدأ مرحلة من الإصلاحات المؤسساتية، في جوهرها تكتيكية، لتهييئ الجو السياسي المقبل وتيسير الطريق أمام خلفه للحكم في ظروف مواتية ،ولم يتردد في تقديم مجموعة من التنازلات يمكن أن نوجز أهمها فيما يلي :

- إطلاق سراح مائات من المعتقلين السياسيين الذي ينحدر أغلبهم من تيارات اليسار الجديد الماركسي اللينيني والطلبة القاعديين .. 

- تشكيل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وتعويض عدد مهم من ضحايا سنوات الرصاص من طرف لجنة التحكيم ..

- تشكيل المحاكم الإدارية للطعن في قرارات الإدارات العمومية .

- إصلاح دستور 1996 الممنوح

- إحداث ديوان المظالم....

- إلغاء مدونة الأحوال الشخصية ووضع مدونة الأسرة ..

- إعادة النظر في الميثاق الجماعي لسنة 1976 ..

وتوجت هذه الإصلاحات بتهييء شروط لانبثاق حكومة يقودها أقدم المعارضين السياسيين من حزب الاتحاد الاشتراكي وهو عبد الرحمان اليوسفي سنة 1998 في إطار ما سمي بالتناوب التوافقي وهو في الواقع ليس إلا تواطئا سياسيا مكشوفا ..

هذه الإستراتيجية كانت كافية لتأمين انتقال سلس للحكم من الحسن الثاني بعد وفاته سنة 1999 إلى الملك الجديد محمد السادس دون مشاكل تذكر، وكان حريا بهذا الحزب الذي يدعي اليسارية أن يستغل الظروف السياسية لطرح شروط اليسار وبذلك فوت فرصة نادرة على نفسه وعلى كل قوى التقدم للضغط على النظام بشكل يبدو أن هذه القيادة كررت خطيئة ثانية بعد خطأ 1956 الذي انتهى إلى الاستقلال الشكلي وتنصيب ملكية تنفيذية مطلقة كان أول ضحاياها هم أقطاب حزب القوات الشعبية ، ويتكرر السيناريو، مرة أخرى بطريقة مشابهة ، وكأن التاريخ يعيد نفسه بصيغة مماثلة بعد أن أبعد الملك محمد السادس سنة 2002 حزب الاتحاد الاشتراكي في ظروف مهينة جعلت هذا الحزب يقدم إلى يومنا هذا ثمن أخطاءه السياسية ولعل أبرز معالمها هو الحالة التي يوجد عليها من تفكك وتذويب لهويته اليسارية ، وتتشابه الصورة مع إقالة حكومة عبد الله إبراهيم بعد الاستقلال ..

2. انتقالات سياسية وحزبية وجمعوية معاقة:

لقد شكلت لحظة قبول حزب الاتحاد الاشتراكي بتزعم حكومة ضمن شروط النظام غير العادلة ضربة قاضية لتركة هذا الحزب الذي لا يزال يقدم ضريبة هذا التنازل اللامبدئي الذي أتى على ما تبقى من رصيد القوات الشعبية وأصبح حزبا عاري سياسيا من أي مضمون تقدمي ..

كما عجزت قوى اليسار الماركسي والتقدمي الذي خرج أغلب مناضليه ومناضلاته حديثا من دهاليز السرية والسجون على بناء قوة سياسية انطلاقا من دينامية التجميع الذي كان قد بدأ في بداية التسبعينات من القرن الماضي وانتهت كل المجهودات إلى الفشل وإلى مراكمة مزيد من الضغائن والأحقاد الذاتية ، ترتب عنه بناء عدة كيانات سياسية بمرجعيات متشابهة وإن تباينت بعض الأحيان المواقف السياسية بشكل عميق ،ولعل وضعية التشرذم التي يعرفها اليسار الراديكالي وعجزه على بناء قوة سياسية وازنة ساهمت في تمرير المشروع المخزني دون متاعب كبيرة ، وفشل بذلك مشروع الانتقال السياسي من التشرذم إلى بناء قوة سياسية جماهيرية..

ولم تسلم الحركات الجمعوية ولا سيما الحقوقية منها التي استتب إليها بدورها نوع من الخلاف بين توجهيين كبيرين ينهلان بشكل أو بآخر من التوازنات السياسية القائمة على صعيد الوطني بين توجه معتدل ومهادن يرى بأن المطالبة التدريجية للإصلاحات يمكن أن تصل حتما إلى مرحلة بناء دولة الحق والقانون في مقابل هذا الطرح الحقوقي يرى تصور آخر أن من شأن خفض سقف المطالب وعدم الالتجاء إلى الحزم النضالي في مقاومة الاستبداد أن يؤدي إلى تكريس الأمر الواقع ولن يساهم البتة في توقيف تكرار ما حدث من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ..

وفي خضم هذا الصراعات كانت تنمو على صعيد آخر حركة جمعوية نشيطة وصاعدة مهتمة بالشأن الثقافي الأمازيغي وبدت أكثر إلحاحا في المطالبة الثقافية بل اتخذت في بعض الأحيان بعد أكاديميا سرعانما سقطت هي بدورها في فخ الاحتواء السياسي من قبل المخزن نتيجة اختراقها من قبل قوى موالية تتخذ من نفحة الشوفينية وسيلة لشق وحدة القوى التقدمية والمناضلة لكنها عجزت عن طمس حقيقتها يوم هرولت إلى الانخراط في مقترح تشكيل المعهد الملكي للثقافة الامازيغية الذي جمع أهم أطر هذه الحركة ، ولم يتبق منها خارجها سوى ثلة قليلة منهم حتى أن أهمها لم يعد صوتها يسمع نتيجة التكالب الواسع على الأطر الديمقراطية والتقدمية داخل هذه الحركة نتيجة التكالب الواسع على الأطر الديمقراطية والتقدمية داخل هذه الحركة..

II. فشل الديمقراطية المحروسة بعباءة الاستبداد الناعم ودخول المغرب عهد الصراعات المفتوحة من جديد :

اتسم حكم محمد السادس خلال المرحلة الأولى الممتدة من 1999 حتى حدود انفجار 20 فبراير بالمغرب سنة 2011 بنوع من الاستقرار السياسي المشوب بالحذر والريبة فيما عرفت المرحلة الحالية تدهورا خطيرا للأوضاع بحيث ساءت وضعية حقوق الإنسان إلى درجة أن بعض سمات سنوات الرصاص بدأت تلوح في الأفق من جديد جراء التضييق الذي تمارسه أجهزة الدولة في حق معارضيها والتنكيل بهم في الشوارع ولا سيما الشباب منهم والزج بعدد غير قليل من المناضلين في غياهب السجون وإصدار أحكام قاسية في حقهم ...

1) محاولة إعادة بناء النظام في عهد حكم محمد السادس على صورة مناقضة لأبيه : من التجبر إلى محاولة التقرب من معاناة الفقراء :

المرحلة اتسمت بتجييش العواطف وتأجيج الوجدان الشعبي حول خرافة ملك الفقراء التي لم تكن في الواقع إلا مكر خفي لتغلغل فئات جديدة في محاصصة الريع الاقتصادي والسياسي عبر تحجيم دور ونفوذ قوى موالية للنظام السابق ، وواكبت هذه العملية محاولات لافتة لبناء درع سياسي جديد للنظام الذي استغل المناخ الدولي المتسم بالأطروحة الأمريكية حول محاربة الإرهاب الدولي لشن هجمات متتالية لدك معاقل الفكر السلفي والأصولي وتضخيم حجم ما يسمى بالخلايا النائمة للحركات "الجهادية" ، وكان الأهم بالنسبة للدولة هو استثمار المناخ الدولي لمحاربة الارهاب لتأسيس شرعية التضييق على الحريات باسم الدفاع عن أمن الجميع . لقد كثفت أجهزة الدولة كل جهودها لتحجيم دور القوى الأصولية بالقوة تارة وبأساليب الترغيب تارة أخرى غير أن العملية واكبتها خروقات واسعة لحقوق الإنسان أعطت نتائج عكسية لمل كانت الدولة تتوخاه حيث ساهمت في رفع شعبية الحركات الإسلامية التي عرفت كيف تشيع لمظلومية زادت من زخمها وعمقت من متاعب النظام في المحافل الدولية. هكذا بدأت الأصوات ترتفع مطالبة باحترام حقوق المعارضة ، ولو أن الإستراتيجية التي انتهجتها الولايات المتحدة ما بعد استنفاذ حربها على الإرهاب كان هو السعي إلى إدماج ، بأي ثمن ،ما يسمى بالإسلاميين المعتدلين في اللعبة السياسية لأنهم يشكلون واجهة الاستقرار لقدرتهم على التحكم في الرعاع السياسي ..هذا في الوقت الذي نزلت فيه شعبية حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الحضيض وهو موجود في حكومة لا تمتلك أدنى الصلاحيات للتقرير في القضايا السياسية والاقتصادية والاستراتيجية والأمنية ، وينسب لحكومة ما يسمى بالتناوب التوافقي سجل واسع من الخروقات الماسة بحقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة ومع ذلك أصر أحد أعضاء جيش التحرير وأشد معارضي الحسن الثاني عبد الرحمان اليوسفي على البقاء في الواجهة رغم تلاحق الأحدث المؤلمة التي كانت تسير ضده مصبغا وجوده بجانب النظام بطابع ديني عندما قال لو لم أعين من قبل الملك الحسن الثاني وزيرا أولا لكنت ذهبت إلى ربي حزينا ! غير أن النظام سيستغني عنه بعدما أنهى مرحلة الانتقال السلسل للحكم من ملك إلى ملك واستعاض عنه بالتكنوقراط سنة 2002 ليصدر الاتحاد الاشتراكي بيانا مبنيا للمجهول يتهم جهات ما بعدم احترام المنهجية الديمقراطية ووجه من خلاله رسالة ضمنية خجولة للملك محمد السادس ليختفي اليوسفي عن الأنظار مرة أخرى بعد أن أحس بالاهانة والخطيئة . ويكشف محمد الحبابي في هذه الأيام أحد قيدوم الاتحاد الاشتراكي في عمود بجريدة المساء عن أسرار خطيرة تنسب نوع من الخيانة للعديد من قادة الاتحاد الاشتراكي وعلى رأسهم عبد الرحمان اليوسفي ولا سيما عندما حاول إجراء مصالحة مع وزير الداخلية السابق عبر وساطة الملك الراحل الذي لم يتردد في القول لموفده دعه يحترق الذي كنا قد نعتناه في مقال سابق بكبش فداء مرحلة انتقال الحكم من ملك إلى ملك..

وسيرا على نهج أبيه في البحث الدائم عن وسائل احتواء رموز المعارضة السياسية والحقوقية التي كان يتصدرها رموز اليسار الراديكالي ،وقتئذ، الذين خرجوا لتوه من السرية والسجون والمنافي منهوكين ، هكذا وضع نصب أعينه استقطاب بعض رموز الحركة الحقوقية مسخرا في ذلك بعض الاطراف القريبة إلى هؤلاء لتسهيل محاولات الاختراق الجدية وكان بعض مناضلي المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف وخصوصا الراحل بنزكري إدريس رئيس سابق لهيئة الإنصاف والمصالحة أهم ضحايا هذه الخطة المخزنية ، رغم أن ذات الهيئة كانت قد تأسست وفق ظهير ملكي لجبر أضرار سنوات الرصاص وإنجاز مصالحة سياسية مع معارضة الأمس . لقد كان النظام يتخفى وراء صور متناقضة بين إنجاز مصالحة لا غالب ولا مغلوب وبين الاستمرار في قمع حرية التعبير والتنظيم والتجمهر ومنع تأسيس أحزاب سياسية ، هذا في الوقت الذي نجح في تسويق صورته خارجيا كنظام أفلح في إنجاز انتقال سياسي هادئ تصاحبه بين الفينة والأخرى توترات عارضة لا تخرج عن سياق نظام ما يسمى بالاستبداد الناعم وذهب بذلك التسويق بعيدا إلى حد الحصول على الوضع المتقدم .. جزء كبير من الطبقة السياسية والحقوقية ظل لمدة يقتنع بهذا التوجه المعنون بالعهد الجديد ، لكن الأحداث الموالية كشفت بأن جوهر النظام ما زال على حاله ولم يتغير سوى في شكله أو كما قال أحد الباحثين الفرنسيين التحرك في نفس المكان للإيهام بوجود تغير ما .

2) الدولة في مواجهة الربيع الديمقراطي من الانحناء للعاصفة إلى العنف العاري والمواجهة المفتوحة :

إذا كان الاتحاد الاشتراكي قد أمن عملية انتقال الحكم من ملك إلى ملك قبل أن يتم تقديمه كمذنب فاشل مسؤول عن الأزمات التي يتخبط فيها المغرب ، فإن العدالة والتنمية حصن النظام من ضربات الربيع الديمقراطي وربح بذلك نصف الرهان ولو أن الصراع ما يزال جاريا ومفتوحا على عدة احتمالات وإمكانيات عودة اللعبة إلى نقطة الصفر ..وأظن أن صعود الاسلاميين على رصيد نضالات الشارع المتمثل في حركة 20 فبراير وهيئاتها الداعمة لها كان أمرا مقضيا ومبرمجا ومطلوبا محليا وأمريكيا ، لأنه لو زاغ النظام عن هذه المعادلة وعين حزبه الهيمني "البام" مكانه لكان اليوم يواجه ثورة شعبية عارمة لأن هذا الحزب استفز كل الأطياف السياسية بسبب تحركه كوحش خرافي يلتهم كل شيء قبل أن ينتهي بقضم نفسه ، لذلك قررت الدولة إعدام هذا الحزب مع وقف التنفيذ الذي يتوقف على ما ستؤول إليه رهانات فشل أو نجاح الاسلاميين في تدبير ولايتهم الحالية .

وفي عهد هؤلاء الاسلاميين ساءت وضعية حقوق الإنسان وعاد جو الاعتقال السياسي والاختطاف والتعذيب وقمع المظاهرات والتضييق على حرية التعبير وتفجير حرب للقيم لشق وحدة المجتمع المغربي من خلال تسخير بعض السلفيين والوهابيين الذين جيئ بهم في أوج تصاعد المد النضالي لحركة 20 فبراير للتشويش على ديناميتها، لأنه خلال الأزمات الكبرى تنفجر التناقضات التي تليها بالضرورة انهيارات كبرى .

هكذا فعلى الرغم من وضع دستور جديد سنة 2011 من قبل المؤسسة الملكية وما رافقه من إصلاحات شكلية لم تحمل أي مؤشر على الرغبة في تدشين انتقال سياسي حقيقي بدليل أن الملك ظل يحتكر أهم الصلاحيات الدستورية والسيادية فضلا عن مساسه باستقلال القضاء فهو رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية ويعين رئيس المجلس الدستوري فكيف يمكن أن تكون السلطة القضائية مستقلة ..لذلك فكل مشاريع إصلاح القضاء والعدالة ومحاربة الفساد وإقرار الحكامة الجيدة الخ لن تفضي في ظل الدستور الممنوح الذي وضع خارج إرادة الشعب الحقيقية، إلى بناء دولة الحق والقانون بدليل عجزه على بناء منظومة قانونية لعدم الافلات من العقاب بحيث يظل العديد من المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أحرار وطلقاء منهم من لا يزال يزاول مهامه الرسمية ولا سيما في مجالات حساسة.

فليس من المستغرب في شيء أن تنتهج الدولة مكرا خفيا في مراوغة المنظمات الحقوقية والرسمية الدولية عبر تصديقها المشروط على عدد من الاتفاقيات الحقوقية والبرتوكولات الملحقة بها وخصوصا في مجال التعذيب ، غير أن المندوب الأممي المكلف بمعاينة حالات التعذيب الذي زار المغرب خلال الشهر الماضي خلص إلى استنتاج بكون الدولة ما تزال تمارس انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان وتواصل أجهزتها تعذيب معارضيها ..

لقد بدأت المحافل الدولية تكتشف الاحترام الصوري لأجهزة الدولة لحقوق الإنسان ، ولعل آخر صفعة موجهة له هو حرمانه من عضوية مجلس حقوق الإنسان وتبوؤه مراتب متأخرة في ميدان احترام حقوق الإنسان ، سيما بعد أن صارت آلته القمعية تطال وتستهدف حتى أنبل المناضلات والمناضلين الذين أفنوا شبابهم دفاعا عن حقوق المهضومين كما حدث يوم 18 نوفمبر 2012 أمام البرلمان من قمع شرس لوقفة حركة 20 فبراير حول ميزانية القصر الخيالية واستهدفت رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ونائبها عبد الحميد أمين بشكل سادي وانتقامي . 

III. الريف : فشل المصالحة السياسية في الريف وبداية جولة ثانية للصراع مع القصر : 

حملت الزيارات المتكررة للملك إلى الريف الكثير من الوعود والآمال والأوهام ، كان عنوانه الأكثر جاذبية أن عهدا جديدا بات يكرسه الملك الجديد لإصلاح الصورة الملوثة لوالده التي تركت أثرا عميقا في وجدان ساكنة الريف التي عاشت في عهده مراحل دامية للصراع السياسي والثقافي والجهوي ، تلك الصورة السوداوية والقاسية حفرت عميقا في بنيات الوعي الجمعي لأبناء الريف وكرست لديهم نوع من الجنوح الفطري لرفض كل ما هو مخزني .فهل استطاع الملك الحالي محو الصورة القاسية لأبيه من وجدان الريفيين وتأسيس قطيعة معها وبناء توجه جديد وسياسة مغايرة تضع الريف على طريق تجاوز التهميش والعزلة والنكبات؟ 

لا ينكر احد أن أبناء الريف أبدوا نوعا من الارتياح الحذر بعد الزلزال المدمر سنة 2004 حيال الزيارات المتتالية للملك للمنطقة وإعلانه في خطاب من مدينة الحسيمة على وعد تحويل الريف إلى قطب اقتصادي . وبالموازاة لذلك كانت الماكينة السياسية والمخابراتية تشتغل على ورش إعادة إدماج الريف في السياسة المخزنية وقد سخر لذلك زمرة من المحترفين السياسيين، يمارسون السياسة بالمعنى التجاري أو قل بدرجة الصفر 0 من السياسة ، لنشر أجواء الطاعة والحب للملك في محاولة يائسة لتحويل إيباء أبناء الريف إلى بهائم ونعاج. لقد ساد نوع من السلم الاجتماعي المؤقت في انتظار إخراج المشاريع الموعود بها إلى حيز الوجود ، لكن مع مرور السنوات تبددت تلك الأوهام وفهم الجميع مغزاها السياسي . فجاء الرد كاسحا وشاملا ومدويا يوم 20 فبراير 2011 حيث خرج أبناء الريف عن بكرة أبيهم للثورة على الأصالة والمعاصرة والنظام .

فالريف تاريخيا لا يتقن الحلول الوسطى ، ولا ندري ما إذا كانت هذه الميزة نقطة قوته أم ضعفه لأنه يمكن لقوى السوء أن تلعب بسهولة بالمرامي النبيلة لنضالاتها وتضحياتها وتحرف تعطش الشباب نحو التغيير .

نحن اليوم نعيش جراحات من نوع آخر ، ناتجة عن الاحباط المعنوي الجماعي بسبب فشل الريف من الخروج من دائرة التشكي نحو الإنتاج المادي والفكري والثقافي لذلك تظهر اتجاهات ذات منحى فردي تعيش منغلقة على نفسها ومغلقة داخل زمن جمعوي ضيق لا يهمها سوى خدمة مصالحها الشخصية بشكل مباشر أو غير مباشر وبناء مجد ذاتي على القضايا والمشاكل المزمنة للريف: الجهرة ، المخدرات ، التهميش . يجب أن يكون هناك توجه نحو المستقبل يضع حدا للبكاء على الأطلال ويحد من هذه النظرة الأصولية الميتافيزيقية لاستعادة التاريخ لأن في ذلك التوجه ينتعش المخزن والقوى الموالية وتتغلغل بمشاريعها في غفلة من الجميع الغرق في سبات أوهامهم، لأنه في ظل اجترار أسئلة دون تقديم أفق للتجاوز يصبح الملاذ الأخير للناس هو الارتماء في أحظان الفكر الأصولي لما يستشعر هؤلاء أن الحداثيين والعقلانيين واليساريين من أصحاب التنمية وحماية البيئة والجهوية والمساواة بين الجنسيين وما شابه ذلك من تسميات نطلقها عليهم تجاوزا هم ليسوا إلا مرتزقة العمل الجمعوي الذين يعيشون مرض فقدان المناعة والاحساس بالضحالة ليس لهم من قوة سوى القدرة على تفكيك القوى المناضلة والتقدمية وتسفيه أطاريحها السياسية، عندما يعي الناس هكذا الصورة فإن الأصولية هي القادمة ولم نبن صروحا وأحصنة لتمنيع المجتمع من هذه الانزلاقات إذن فالقادم سيكون ظلاميا مع أني لست أبدا مشبعا بالفكر التشاؤمي لكن قدر التاريخ صار مهددا بهذه التوجهات الحتمية ، باستثناء واحد هو أن يتقوى اليسار الراديكالي في سباق مع الزمن ويساهم الشباب الثوري القادم من حركة 20 فبراير في تطوير عاجل لأبنية هذه التنظيمات يمكن أن يحدث شيء من التطور -إذا حدثت القطيعة مع جيل النكسات وأنصاف الحلول أو قل جيل السقوط- وهذا يسري على عموم الوطن وليس الريف فحسب ، لأن ظواهر التشبيب مغلوطة من الأساس وما هي إلا كذب على الشباب لأن المراد منها فقط هو أن يساهم الشباب في تقوية القاعدة وليس القيادة . لذلك يبدو لي من وجهة نظري أنه إذا لم تحدث نوع من القطيعة الإيجابية بين جيل الانتكاسات والفشالات وتعويضه بجيل الآمال والطموحات الجديدة ،ما لم يحدث ذلك ،سيظل كل جيل ينقل أمراضه ونكساته وتبريراته للأجيال القادمة ونلقي التبعات على جهات مبنية للمجهول !،وهكذا نراوح مكاننا ونؤجل باستمرار لحظات الحسم التاريخي مع الاستبداد والتخلف السياسي ..

1. خريف الوعود الممنوحة بتحويل الريف إلى قطب اقتصادي لفك عزلته وجبر أضراره 

بصرف النظر عن الأسباب الموضوعية والذاتية التي كانت وراء التصعيد الاحتجاجي الذي عرفه الريف عموما والحسيمة على وجه الخصوص ، فإن هناك سبب أكثر وجاهة وراء تصاعد الغضب الريفي ويكمن في إحساسه بالغدر جراء الوعود الممنوحة له عقب الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة وحمل معه زيارات مكوكية لرئيس الدولة للمنطقة الذي كاد أن يحوله البعض إلى ما يشبه عهد العسل بين الريف والقصر ..

لا يزال الريف والحسيمة على وجه الخصوص تتخبط في مشاكل ذات طبيعة بنيوية مما سيعمق الصراعات المستقبلية ويؤدي إلى مزيد من هضم حقوق الإنسان ، ولذلك فإحساس الدولة بوجود مد جماهيري وغضب شعبي تنامى وتطور بشكل مفاجئ لها هو الذي جعلها تشن حملات قمعية استثنائية وتنزل أحكاما قاسية في حق ثلة من الشباب عبروا عن رأيهم السياسي الحر ، لأنها تعتقد أن مثل هذه الحملات قد تنشر الفزع من جديد وسط المعارضة والمعارضين تجعلهم يتخلون تدريجيا عن مواقفهم أو يبررون عملية تعديلها ومراجعة أفكارهم وهو نفس التوجه المخزني القمعي الذي استعمل سابقا مع اليسار الجديد والقوى الإصلاحية ثم مع القاعديين وحاليا مع السلفية الجهادية وقد يمس النهج الديمقراطي القاعدي في الجامعات .

وفي سؤال الريف تحديدا كان الاعتقاد وسط الدوائر الرسمية أن لا مجال لعودة الصراع مرة أخرى وقد طويت أحداث الماضي إلى غير رجعة ، وهذا الاعتقاد بني على معلومات خاطئة قد تكون مستقاة من أغنياء الصناديق السوداء الذين كانت لهم المصلحة في استتباب الأمن و السلم الاجتماعي بالريف طالما أن الدولة تغدق عليهم . كما أن الدولة كانت تعتقد أن مشاريع إنمائية مهمة تم إحداثها بالريف ستخلق قلعة شعبية من الموالين لمحاصرة ما تبقى من اليساريين بالمنطقة أو على الأقل تشويه صورتهم بعد أن يصبح كل من هب ودب من الانتهازيين يلعبون على وتر اليسارية في ثوبها الجديد لتسهل عملية سحق اليسار من الداخل . وهو ما ينطبق اليوم على بعض الأعضاء من الريف تبنوا هذه الأطروحة في حزب حصان طروادة كما قصة الإياذة لهوميروس .ولما تيقنت الدولة أن لا شيء تغير في الريف من عمقها الاحتجاجي اضطرت إلى الدخول من جديد في صراع مفتوح معه مستخدمة عنفا عاريا لا يمكن تبريره أبدا تحت ذرائع لا يستسغها أي منطق .

خلاصة عامة:

هكذا فالمغرب يشهد عودة من جديد لملامح سنوات الرصاص بدأت تخيم على المشهد الحقوقي بعد أن طفح الكيل ولم يعد المكر الخفي قادرا على استتباب الأمن، وكثير من المثقفين يعتقدون اليوم أن العيش في أحضان نصف الديمقراطية مع شيء من الأمن والطمأنينة أحسن من الوصول إلى الديمقراطية الكاملة عبر وديان من الدم وليس مضمونا أن النتيجة هي الديمقراطية دائما، ويغتنم حراس النظام هذا الموقف النابع من إديولوجية الخوف المؤسسة على الخوف أكثر من الخوف ! لكي يشجعوا الدولة على عدم تقديم تنازلات كبرى ويعطي لها الفرصة على القمع أكثر تارة والحوار أكثر تارة أخرى للإيهام على أن توجه القمع ليس ممنهجا بل طارئا فقط . و لا يوجد أي سبيل أمام الدولة لحماية نفسها سوى الاستمرار في هذا التوجه .ونحن نلاحظ بمرارة كيف يتحدى القصر الشعب بتخويل لنفسه ميزانية خيالية تتشكل من التسيير والتجهيز لدرجة أصبحنا أمام دولة داخل دولة وهذا مخالف للنص الصريح للدستور الحالي نفسه الذي ينص على أن للملك قائمة مدنية فقط ، ناهيك عن التكلفة الباهظة للمؤسسة الملكية على كاهل الشعب الغارق في مشاكل الفقر والأمية والجهل ..كيف يمكن أن لا تعود سنوات الرصاص من جديد والشعب تكسر جماجمه يوميا في الشوارع ولم يسلم منها ، ونكرر الحدث مرة أخرى لدلالته القوية ، حتى رؤساء المنظمات الحقوقية ولعل مشهد قمع وقفة 18 /11/2012 أما البرلمان للاحتجاج على الميزانية الضخمة المخصصة للقصر سنة 2013 وتعرض رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان للضرب والإهانة لخير دليل على أن المغرب ليس بخير ، تزيده وضعية التموقع المذل للدولة في ذيل التصنيفات الدولية في مختلف المجالات : التعليم ، الصحة ، حقوق الإنسان ، التنمية البشرية ، الفساد السياسي لهو فغشل واضح على فشل ذريع للاختيارات الكبرى للدولة 

في شهر نوفمبر 2012




0 التعليقات:

إرسال تعليق

صفحتي على الفايس بوك

ما تقييمك للموقع؟

فضائح نائب التعليم بتاونات

تطالب برحيل النائب الإقليمي UMT

إحتجاجات غير مسبوقة بتاونات

عدد الصفحات التي تمت زيارتها